محل تبلیغات شما

رسالة إلى طالب العلم

أخي في الله/ في كلية الشريعة والقانون وکلیة الآداب   وکلیة التربیة في جامعة تخار!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

وبعد: فمن فضل الله عليك أن وفقك لطلب العلم وجعلك من الساعين إليه التاركين الأهل والوطن لتحصيله وهذا ما يستوجب لك السعادة في الدارين. كما يقول الشاعر:

فلولا العلم ما سعدت رجال ولولا عرف الحلال ولا الحرام

وكفى بالعلم شرفًا أن الله أمتن به على جميع الأنبياء  والرسل، والعلم أشرف المهن وأعظمها وأرفعها قدرًا عند الله ولما كان العلم لاينال إلا بالمشقة والجهد حث الإسلام عليه وشجع على طلبه وجعل التفقه في الدين صنو الجهاد في سبيله  حيث قال سبحانه وتعالى ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة: 122)

وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "إني كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد، ما أفلح في العلم إلا من طلبه في الذُل، ومن طلب العلم بعز النفس لم يُفلح، ومن طلبه بذُل النفس وخدمة العلماء أفلحَ، واعلم أخا الإسلام أن الله تعالى يُعطي الدنيا من أحب ومن لا يُحِب، ولايُعطي الدين إلا من أحب." ()

ومن فضل الله تعالى على العبد أن يُوفقه لاختيار منهج حياته، وأفضل مناهج للحياة هو طلب العلم لأنه ميراث الأنبياء و"أن الأنبياء لم يُورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافرٍ" ولا يتأتي لك طلب العلم إلا أن تتأدب بآدابه ومن هذه الآداب:

  1. الإخلاص في طلب العلم:

وهو أن يكون الحامل لك والباعث على طلب العلم رغبتك في الله وإخلاص النية له وابتغاء مرضاته ولذا قال بعض العارفين. تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لِله، أي امتتع عنا حقيقة العلم وغابت عنا أسراره حتى أخلصنا النية فيه ولله تعالى.

  1. الحرص على الانتفاع بالوقت:

وذلك بالمحافظة عليه وعدم تضيعه فيما لايُفيد فمن عرف حق الوقت فقد أدرك قيمة الحياة لأن الوقت هو الحياة كما قال الشاعر أحمد شوقي: (جواهر البلاغة 1/0)

دقات قلـــــب المـــــــــرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوانٍ

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرهافالذكر للإنسان عمر ثان

وقتك أخي الحبيب هو أغلى ما تملك، فالحرص عليه أن يضع منك سدى، ولا تكثر من النفلة فإنها حجاب عن الخير ومدعاة إلى السوء، والأَولى والأجدر لطالب العلم أن يقسم وقته وينظم حياته فيجعل وقتًا للأذكار، وقتًا لأداء الفرائض ووقتًا للتدبر  والتفكر  للمذاكرة والتعلم، و وقتًا لتلاوة القرآن، ووقتًا للترويح عن النفس . هكذا.

  1. الصلة بالله ومعرفتك بخالقك:

والمعرفة تكون بأداء الواجبات والذكر والمراقبة واجتناب المنهيات يقول أحد رواد الدعوة ومصلحيها:

معرفة الله هي التحويل التي تنقل الفرد والجماعة من حال إلى حال، وحسن الاعتماد عليه وحده هو أظهر علامات الإيمان الصادق، فحققوا في أنفسكم وفي أعمالكم هذه الصلة بربكم. فاجعل أخي الحبيب بينك وبين الله صلة. رغم أن بينك وبين حياتك صلة، وبينك وبين العمل صلة وأصبح عملك قريباً لمكان الذي يُدنيك بالموت، فأنت تعمل بين الحياة والموت ولايدري أي أحد في أي أرض تموت ولكن يعلم أن قبره يكون هنا أوهناك. فاتقوالله ولا تُباع آخرتك بدنياك الذي يجري بينك وبين رعيتك ومسؤلياتك.

  1. الاهتمام بالطهارة:

تطهير النفس من الرياء ورذائل الأخلاق وترك المعاصي القلبية وتطهير الظاهر بحُسن المظهر ونظافة البدن، والتمسك بالسنة ظاهرًا وباطنًا، وفي تأثير المعاصي على طلب العلم يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

شكوت إلى الوكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخــــــــــــــــــــبرني أن العــــــــــــــــــــــــلم نـــــــــور ونور الله لا يُعطي للعاصي

  1. التأني في القراءة والتكرار حتى تقف على المطلوب:

ينبغي للإنسان أن يتأني في قراءته وأن يعادو القراءة مرتين أو ثلاثة حتى يحقق الفهم ويمحص الحق ولا يتسرع بالحكم على الناس أو تخطئتهم وتتبع زلاتهم، لأن الجزاء من جنس العمل ومن تتبع عورات الناس تتبع الناس عوراته.

  1. التماس الأعذار للآخرين:

يجب على طالب العلم أن يتحرز بقدر الإمكان عن إثارة المشاكيل حوله وعن إثارة العداوات والإحن. فالمسلم صاحب دعوة وهو ناصح مخلص أمين فيمكن للداعية من خلال الإخلاص والتجرد التام والفهم الكامل للظروف والأمكنة، يمكنه من خلال فهمه للواقع وفهمه للشرع أن يحول التيارات المعادية له على جهات موافقة ومطابقة للإسلام كما يقول الشيخ رشيد رضا رحمه الله: "نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه." (زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه، لعبد المحسن ابدر 1/451)

وقد أوصى بعض سلفنا الصالح ابنه بقوله:

"يا بُني اجعل نفسك ميزانًا فيما بينك وبين غيرك، فأحب لغيرك ما تُحب لنفسك، وأكره له ما تُكره لها، ولا تظلم كما لا تُحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك".

  1. الإحسان في العمل:

على المسلم بوجه عام وطالب العلم بوجه خاص أن يستفرغ جهده في إحسان العمل وطالب العلم وإذا قصر في الوصول إلى الإحسان في العمل فقد قصر في أداء رسالته والله تعالى يقول: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (الملك: 1) ومن الإحسان أن تُصلح نفسك بالقرآن بحفظه ودراسته دراسة دقيقة وعميقة، وأن تدرس السيرة لتستخلص منها الدروس والعبر، وسير الأنبياء وأحوالهم مع أم.

ولكن طلبك للعلم بتفهم وتعلم. لا بتورط الشبهات وعلق الخصومات، وابدأ قبل ذلك بمعرفة ربك والاستعانة بخالقك والرغبة إليه:

8- المحافظة على تأدية الصلاة في أوقاتها لأن الصلاة صلة بين العبد وربه والصلاة هي قرة عيون الموحدين فَبِها تقر العيون بخالقها ومناجاته وتطمئن النفس بها وتسكن بفاطرها وتتنعم بذكره، وتتلذذ بالخضوع له.

9- قيام الليل وإحياؤه بالتعبد والذكر: على طالب العلم أن يستعين على طلب العلم بقيام الليل، وقد قال الله تعالى لنبيه ومصطفاه: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ (المزمل:5) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل" (متفق عليه) وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى لأحد تلاميذه وقد رآه لا يقوم الليل "عجبت لطالب علم لايقوم الليل" وها هو الإمام الشافعي كان يقسم ليله ثلاثًا؛ ثلث لكتابة العلم وثلث للصلاة وثلث الأخر للنوم.

10- المداومة على ذكر الله في جميع أحوالك: يقول الله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28) ويقول سبحانه تعالى في مقام آخر: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ (آل عمران: 41) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يصبح على كل سُلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، و أمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" (صحيح مسلم 1/498 رواه عن أبي ذر)

 وعن عايشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما دوام صاحبه عليه" (متفق عليه)

  • أخي الحبيب وأختي الحبیبة! اجعل لك وِردًا من القرآن الكريم تقرأه كل يومٍ وإن نَمَتْ عنه أو نسيته فاقره حين تذكره فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم "من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء من فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنه قرأه من الليل" (صحيح مسلم 1/515) عليك بأذكار الصباح والمساء والإكثار من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله، وإن خافك أحد أو أحسست بقلق فقل: الله أكبر ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾"(الرعد: 28).

11- الافتقار إلى الله واللجوء إليه: ألجئ نفسك في أمورك كلها إلى الله تعالى فحسب، فإنك تلجئها إلى ركن شديد.

12- شهود المنة: أن يشهد منة الله عليه في أن اختاره لطاعته وجعله في ذمته حتى يعود، فهو في كنف الله ورعايته لطلبه العلم.

فكم من إنسان قد حرم هذا الفضل، وكم شخص قد اشتغل بنفسه عن طاعة ربه فعليه أن يودي شكر النعمة وأن يطلب من ربه ايادة: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم: 7)

13- رؤية التقصير: المسلم المحق هو الذي ينظر بعين التقصير إلى نفسه فلا يرضى عنها حتى تصل إلى مبتغاها ومطلوبها ولو قام بالأمر غاية الاجتهاد.

فينبغي للمسلم أن يحاسب نفسه "على الوقت وعلى الفرائض وعلى ارتكاب المعاصي، ويتدارك أخطاءه قبل فوات الأوان".

وبعد يا أخي الحبيب! تفهم وصيتي إليك ولا تذهبن عنك صفحًا، فإن خير القول ما نفع ولا خير في علم لا ينتفعبه، صاحبه، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه. هدانا الله إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة.

وأختم كلامي بقول الشاعر إسماعيل الحسن بن على الطغراني الذي يقول:

قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

 وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

مع تحيات، أخيكم في الله

 الأستاذ شريف الله غفوري

لجنة الدعوة والتربية في جامعة تخار

کاتب ومترجم وأدیب أفغاني،

التعليم اللغة العربية في أفغانستان الواقع والمأمول

لتحمیل کتاب المحاورات الیومیة

الله ,في ,أن ,العلم ,على ,عليه ,الله تعالى ,طلب العلم ,الله عليه ,رحمه الله ,بينك وبين ,تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد ,اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ ,بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ

مشخصات

تبلیغات

محل تبلیغات شما

آخرین ارسال ها

برترین جستجو ها

آخرین جستجو ها

فرهنگی وهنری